اتفاق الإدارة السورية و"قسد"- نحو وحدة سوريا الجديدة ومواجهة التحديات

المؤلف: عمر كوش09.14.2025
اتفاق الإدارة السورية و"قسد"- نحو وحدة سوريا الجديدة ومواجهة التحديات

لقد أتى الاتفاق التاريخي بين القيادة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في منعطف حاسم، حيث تتطلع سوريا إلى التعافي من التداعيات المأساوية للأحداث الدامية التي عصفت بمناطق في الساحل السوري. هذه الأحداث، التي خلفت وراءها مئات الضحايا من المدنيين والعسكريين السوريين، أشعلتها هجمات غادرة شنتها فلول النظام الأسدي البائد. استهدفت هذه الهجمات قوى الأمن العام، ساعية إلى إذكاء نار الفتنة، وتفتيت الوحدة الوطنية المتينة بين أبناء الشعب السوري، وتمزيق النسيج الاجتماعي السوري من خلال محاولة اقتطاع منطقة الساحل وفصلها عن الوطن.

تتجلى أهمية هذا الاتفاق في كونه يمثل صفعة قوية لكل المخططات الانفصالية الخبيثة التي تحاك ضد سوريا، والتي تقف وراءها قوى خارجية طامعة، وعلى رأسها إيران وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الاتفاق مدخلاً واعداً لإنهاء حالة الجفاء والانقطاع التي طالت بين مناطق الجزيرة السورية وبقية المناطق السورية لأكثر من عقد من الزمن. والأهم من ذلك، يعكس هذا الاتفاق التوق واللهفة الشديدة لدى الشارع السوري بكل أطيافه ومكوناته لتوحيد الأرض السورية واستعادة وحدتها وسلامتها، وذلك بعد التخلص من كابوس نظام الأسد الاستبدادي.

مزايا الاتفاق

تكمن الجدوى الحقيقية لهذا الاتفاق في المزايا العظيمة والأبعاد المتعددة التي يحملها في طياته، خاصة على الصعيد الداخلي، والتي يمكن إجمالها في النقاط التالية:

  • أولًا، يمثل هذا الاتفاق خطوة تاريخية فارقة بالنسبة لأبناء الشعب الكردي السوري، سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية، وبالنسبة لجميع السوريين على حد سواء، كونه يمهد الطريق أمام السوريين لبناء سوريا موحدة قوية ومزدهرة.
  • ثانيًا، يعتبر هذا الاتفاق نقطة تحول حاسمة في مسيرة بناء الدولة السورية الجديدة، وذلك بعد سقوط نظام الأسد البائد، حيث يفتح الباب أمام مرحلة جديدة تستعيد فيها الدولة سيادتها وسيطرتها الكاملة على الموارد الطبيعية الوفيرة في مناطق شرقي الفرات، ويعيد دمج هذه المناطق بشكل كامل في صلب الاقتصاد الوطني.
  • ثالثًا، يسهم هذا الاتفاق بشكل فعال في استعادة الثقة المفقودة بين جميع أبناء الشعب السوري، حيث قدمت الإدارة الجديدة العديد من المبادرات والفرص لبناء الثقة مع جميع الأطراف، من خلال التعاون البناء معها، وإظهار سعيها الجاد لإدارة المرحلة الانتقالية الحاسمة بمشاركة جميع المكونات السورية، وبالتالي الابتعاد عن استخدام القوة الغاشمة مع "قسد"، والافتراق التام مع سلوكيات وممارسات السلطة الاستبدادية لنظام الأسد البائد، التي كانت تسعى إلى الهيمنة والسيطرة.
  • رابعًا، يرتكز هذا الاتفاق على مبدأ راسخ وثابت وهو ضمانة حقوق جميع السوريين في التمثيل العادل والمشاركة الفعالة في العملية السياسية، وفي جميع مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة والجدارة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية، وذلك حسبما نص عليه الاتفاق بشكل صريح وواضح، ما يعني إشراك الجميع في اتخاذ القرار السوري المصيري. إضافة إلى ذلك، يؤكد الاتفاق على أن المجتمع الكردي هو مجتمع أصيل وعريق في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية الجديدة حقه الكامل في المواطنة المتساوية وكافة الحقوق الدستورية المكفولة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التوقيع على هذا الاتفاق يعكس تحولات عميقة وجذرية في مواقف قيادات قوات سوريا الديمقراطية، وجميع الأجسام الأخرى المدنية والعسكرية المسيطرة على مناطق شرقي الفرات، من خلال قبولها بدمجها بشكل كامل في الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية الحيوية والمطار الاستراتيجي وحقول النفط والغاز الغنية.

كما يجسد هذا الاتفاق تغليب الطرفين لغة الحوار البناء، وسعيهم الحثيث وحرصهم الشديد على الابتعاد عن منطق السلاح والعنف، ما يعني توفر العزم الصادق على جمع شتات الدولة والجغرافيا السورية وتوحيدها، والانطلاق بقوة وثبات في عملية بناء سوريا الجديدة.

وبالتالي، فإن كل ما سبق ذكره يشير بوضوح إلى أن هذا الاتفاق يشكل بداية واعدة لتفاهم إستراتيجي عميق وطويل الأمد، شريطة أن يتم تنفيذه على أرض الواقع دون عراقيل أو عقبات. والأمر هنا منوط بالإرادة القوية للقوى الفاعلة في قسد، ويتوقف على الإمكانات المتاحة والصلاحيات الممنوحة للجان المشكلة من الطرفين للإشراف الدقيق على تنفيذه، وذلك ضمن نطاق زمني محدد، حدده الاتفاق بنهاية العام الجاري، وبمدى تخلي قسد عن شروطها القديمة المعيقة للاندماج الكامل في الجسم السوري الجديد.

فرص النجاح

قد يكون من السابق لأوانه التكهن بمصير هذا الاتفاق، خاصة وأن آليات تنفيذه لم تتضح تفاصيلها بعد بشكل كامل، ومع ذلك يمكن القول بتفاؤل حذر إنه يمتلك فرصاً واعدة للنجاح، وتتجسد هذه الإمكانات الكامنة في:

  1. الدعم الشعبي العارم والواسع النطاق، الذي عبر عنه السوريون الشرفاء بنزولهم إلى الشوارع والساحات في مختلف المدن السورية، تعبيرًا صادقًا عن فرحتهم العميقة بالتوصل إلى هذا الاتفاق التاريخي، الذي يلبي طموحات وتطلعات جميع السوريين، ويحظى بتأييدهم المطلق وإجماعهم عليه.
  2. النضج السياسي الرفيع الذي تجلى لدى الإدارة الجديدة وقيادة قوات سوريا الديمقراطية، حيث تمكنت الإدارة السورية الجديدة بحكمة وروية من احتواء الدعوات الانفصالية التي كانت تصدر من بعض قادة قسد، خاصة أولئك المرتبطين بحزب العمال الكردستاني التركي، وفي المقابل تخلت قسد عن مشاريعها الانفصالية التي كانت تهدد وحدة سوريا.
  3. الدور الإيجابي والبناء الذي لعبته قوى إقليمية ودولية مؤثرة، خاصة الدور الأميركي والتركي، حيث إن هذا الاتفاق ما كان له أن يرى النور لولا دفع الولايات المتحدة لقسد نحو التفاهم مع الإدارة الجديدة، وبما يتماشى مع مخرجات الحوار الأميركي-التركي حول مستقبل منطقة شرقي الفرات.
  4. الدعم العربي والدولي المتزايد للإدارة الجديدة، الذي شكل أحد عوامل الضغط الهامة على قسد وقيادتها كي تقبل بالانضواء والاندماج في الدولة السورية، وأفضى إلى مسارعة العديد من الدول العربية والأوروبية للترحيب بهذا الاتفاق، الأمر الذي يزيد بشكل كبير من فرص نجاحه وتطبيقه على أرض الواقع، وذلك على الرغم من المواقف السلبية لكل من النظام الإيراني وإسرائيل، الهادفة إلى إفشال مساعي الإدارة الجديدة، وتفتيت سوريا وتقسيمها إلى كانتونات متناحرة، وبما يكرس تحويلها إلى مناطق نفوذ موزعة على أسس طائفية أو دينية أو مذهبية ضيقة.

المعيقات

على الرغم من توفر فرص كبيرة لنجاح هذا الاتفاق، إلا أن هناك بعض العوامل التي يمكن أن تعيق تطبيقه على أرض الواقع، وربما تؤدي إلى فشله في تحقيق أهدافه المرجوة، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  1. كيفية دمج قسد في الجيش السوري الجديد: هل سيتم دمجها كوحدة متكاملة، أم يعاد تشكيلها من جديد تحت إشراف وزارة الدفاع؟ لأن هناك أصواتًا تنادي بضرورة الحفاظ على هيكليتها التنظيمية، وبقائها على ما هي عليه. فضلًا عن أن المكون الأساسي في قسد هو "وحدات حماية الشعب"، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، والتي تضم عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب، حيث تطالب الإدارة السورية بإبعادهم الفوري عن الأراضي السورية.
  2. مواقف المكونات الأخرى في مناطق سيطرة قسد: ويشمل ذلك العرب والسريان والآشوريين، الذين يطالبون بوجود تمثيل عادل لهم في العملية السياسية، وهو أمر يمكن التفاهم حوله وإيجاد حلول مرضية له. إضافة إلى أن هناك أحزابًا كردية أخرى لا تعتبر قسد ممثلة حقيقية لها، وتختلف مواقفها ورؤاها عنها.
  3. شكل الحكم في سوريا: حيث إن قسد لم تتخلَّ بشكل كامل عن دعوتها لإقامة حكم ذاتي في مناطق شرقي الفرات، واعتماد نظام لا مركزي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستقبل بنظام لا مركزي على المستوى الإداري فقط، أم ستصر على لا مركزية على المستوى السياسي أيضًا؟
  4. ملف سجون مقاتلي تنظيم الدولة والمخيمات التي تصر قسد على الاستمرار في إدارتها: فيما تقتضي موجبات سيادة الدولة السورية أن تكون هذه السجون والمخيمات تحت سلطتها وإدارتها المباشرة. إضافة إلى معضلة علاقة قسد مع قوات التحالف الدولي لمجابهة فلول تنظيم الدولة، ومصير القواعد الأميركية المنتشرة في سوريا، والتي ربما سيحسم مصيرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي سبق أن أعلن عن رغبته بسحب القوات الأميركية من سوريا بشكل كامل.

يأمل غالبية السوريين المخلصين نجاح هذا الاتفاق، وأن تنعكس تداعياته الإيجابية على إبرام المزيد من التوافقات الأخرى مع القوى الفاعلة في الجنوب السوري. وهو ما بدأت بوادره تلوح في الأفق مع السويداء، وذلك كي يتكلل مسعى الإدارة الجديدة بالنجاح في تجاوز العقبات الأساسية، بعدما تجاوزت بنجاح محاولة عصابات بقايا نظام الأسد، وأحبطت مخططهم الشرير في السيطرة على الساحل السوري.

ومن الضروري والملح أن يُستتبع كل ذلك بترجمة عملية على المسار السياسي، وخاصة الإعلان الدستوري المرتقب وتشكيل حكومة انتقالية جامعة تمثل جميع أطياف الشعب السوري، واستكمال حل الفصائل المسلحة وانضوائها تحت لواء مؤسسة الجيش الوطني الجديد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة